يُعد عقد البيع من أهم العقود التي تنظم المعاملات المالية بين الأفراد، ويترتب عليه التزامات متقابلة بين البائع والمشتري، من أبرزها التزام البائع بضمان المبيع. ويتضمن هذا الضمان شقين: ضمان عدم التعرض وضمان العيوب الخفية. ويهدف الأخير إلى حماية المشتري من الأضرار التي قد تلحق به نتيجة وجود عيوب في المبيع، لم يكن على علم بها وقت التعاقد.
وقد تناول قانون المعاملات المدنية العماني هذا الالتزام ضمن المواد (401) إلى (410)، مؤكدًا أن المشتري لا يُلزم فقط بتسلم مبيع خالٍ من التعرض القانوني، بل يجب أيضًا أن يكون خاليًا من العيوب التي قد تؤثر على قيمته أو منفعته. وسنُخصص هذا البحث لدراسة ضمان العيوب الخفية وشروطه، مع إيراد مثال تطبيقي يوضح أحكامه.
أولًا: ماهية العيب الخفي
العيب الخفي هو ذلك العيب الذي ينقص من قيمة المبيع أو منفعته، ولم يكن في استطاعة المشتري أن يكتشفه عند التعاقد، رغم فحصه للمبيع بما يلزم من حرص المعتاد.
وقد نصت المادة (401) من القانون على أنه:
“لا يضمن البائع عيبًا جرى العرف على التسامح فيه“،
مما يدل على أن الضمان لا يشمل كل نقص، وإنما فقط ما يعد عيبًا مؤثرًا لم يكن متسامحًا فيه عرفًا.
ثانيًا: شروط تحقق ضمان العيب الخفي
- نص المشرع العماني على أربعة شروط يجب توافرها حتى يتحقق ضمان العيوب الخفية، وهي:1 أن يكون العيب قديمًا:
ويقصد بالقدم أن يكون العيب موجودًا قبل العقد أو حدث بعده وهو لا يزال في يد البائع وقبل التسليم. وهذا ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة (403).2 أن يكون العيب مؤثرًا:
أي أن يكون من شأنه إنقاص قيمة المبيع أو إفشال الغرض الذي من أجله اشتراه المشتري، كما ورد في المادة (149).
3 أن يكون العيب خفيًا:
ما لا يمكن اكتشافه بالفحص المعتاد من قبل المشتري.
4 ألا يكون المشتري عالمًا بالعيب:
إذا ثبت أن المشتري كان يعلم بوجود العيب وقت الشراء، فلا يكون للبائع أي التزام بالضمان، وفقًا للمادة (404).
ثالثًا: سقوط حق المشتري في الضمان
يفقد المشتري حقه في الضمان إذا تصرف في المبيع بعد علمه بالعيب، تصرفًا يُفهم منه قبوله له، كأن يقوم ببيعه أو استخدامه دون تحفظ. وقد نصت المادة (405) صراحة على ذلك:
“إذا دلّت ظروف الحال على أن المشتري قد رضي بالمبيع بعد اطلاعه على العيب، سقط حقه في الضمان.”
رابعًا: مثال تطبيقي
افترض أن أحد الأشخاص اشترى مركبة مستعملة من أحد المعارض، وبعد الاستلام، لاحظ أن ناقل الحركة يصدر أصواتًا غير طبيعية ويتعطل عند السرعات العالية. وعند عرضه على الفحص الفني، تبين وجود خلل ميكانيكي قديم يعود إلى فترة ما قبل البيع، ولم يكن ظاهرًا عند المعاينة الأولية.
هذا العيب يُعد قديمًا لأنه موجود قبل البيع، وهو مؤثر لأنه يؤثر على الغرض من المركبة، كما أنه خفي لأن الفحص الظاهري لم يكشفه، ولم يكن المشتري عالمًا به.
في هذه الحالة، يحق للمشتري الرجوع على البائع بضمان العيب، إما بطلب إصلاح المبيع، أو استبداله، أو فسخ العقد مع التعويض – بحسب الأحوال.
يتجلى من خلال النصوص القانونية والتطبيقات العملية أن المشرع العماني قد أحسن تنظيم التزام البائع بضمان العيوب الخفية، بوضع شروط واضحة لحماية المشتري وتحقيق التوازن العقدي. ويُعد هذا الضمان من أهم وسائل الحفاظ على الثقة في المعاملات، ويضمن استقرار الروابط التعاقدية في البيئة القانونية.