الشهادة هي قيام شخص أمام القضاء بالروي والإخبار عن واقعة حدثت مع الغير ويترتب عليها حق للغير على الغير فهو يدلي بما يعرفه أمام المحكمة، ورغم اختلاف المذاهب والعلماء في تحديد معنى “البينة” فقد أجمع جمهور الفقهاء على أن البينة تعني الشهادة (شهادة الشهود) آخذين بقول الله تعالى دليلا على ذلك: ((والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)). ولكن أرى أن البينة أعم من ذلك وأوسع فهي في اللغة تعني الحجة والدليل وليس الشهود فقط.
تعرف الشهادة لغة بأنها العلم والإدراك والمعاينة والحضور وهذا الأخير هو الأدق والأشهر آخذين بقول الله عز وجل: ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه))، وتعرف اصطلاحا على أنها “قول يوجب على الحاكم عند سماعه الحكم بمقتضاه إن عذل قائله مع تعدده أو حلف طالبه”؛ فهي إخبار عن حق للغير على الغير.
شروط الشهادة:
- أن تكون الشهادة أمام مجلس القضاء:
فكل قول يقوله الشاهد ويدلي به خارج مجلس القضاء لا يعد اثباتا بالشهادة مهما كانت مصداقيته وحكيه للواقع الصحيح، فلا يعتد بذلك القول في أي مجلس كان غير مجلس القضاء فإن أدلوا الشهود شهادتهم أمام الشرطة أو مجلس الصلح مثلا فلا تؤخذ لأن تلك المجالس ليست مجلس القضاء الذي يكون فيه الحاكم (القاضي) الذي يفصل في النزاع موجودا والطرفين المتنازعين موجودان، والغرض من هذا يعود إلى أن الشهادة دليل إثباتٍ بموجبه يحكم القاضي في النزاع الحاصل بين المتنازعين.
- أن تكون الشهادة بعد أداء اليمين:
أداء اليمين قبل إبداء الشهادة يبعث في نفس الشاهد يقظة الضمير الذي يجعله أقرب لقول الحق خشية من المحاسبة الإلهية والمحاسبة الدنيوية القانونية. فهيئة الحلف تكون بقول “أقسم بالله العظيم” وهذا ما بينته المادة 44 من قانون الإثبات العماني، ويكون الحلف بحسب الأمور الخاصة بديانة الشاهد.
في الأصل يؤدي الشاهد اليمين قبل ابداء شهادته، ولكن قد يجوز على سبل الاستثناء أن يؤدي الشاهد اليمين بعد الاستماع إلى شهادته شريطة أن يؤديه في ذات الجلسة وقبل مغادرته مجلس القضاء.
- ألا تجر مغنما للشاهد أو تدفع عن الشاهد مغرما:
ويأتي ذلك خشية فقدان الشاهد عدالته، فقد يتوقع منه عدم حياده لوجود مصلحة له عند طرف من أطراف الدعوى يخشى فقدانها أو وجود منفعة يرجو تحقيقها أو ضرر ينتظر دفعه. فإنه ليس من السهل تحديد ما إذا كانت هناك علاقة بين الشاهد وأحد المتنازعين، لذلك ينظر في أي واقعة على حدة بظروفها الخاصة وملابساتها وأحداثها لمعرفة ما إذا كانت هناك علاقة تجر للشاهد مغنما أو تدفع عنه مغرما مع إثبات ذلك.
صلة القرابة أو المصاهرة لأحد المتنازعين في الأصل لا توجب رد الشاهد بالرغم من أنها قد يكون لها تأثير في تقدير قيمة الشهادة عند القاضي أو من قبل محكمة الموضوع، ويستثنى من ذلك شهادة الأب لابنه أو شهادة الابن لأبيه لإبعاد الشبهات لأنه من المحتمل جدا أن شهادة الابن لأبيه تجر له مغنما وهو نفع أبيه والعكس نفسه.
- ألا تكون الشهادة ممنوعة:
المادة 40 من قانون الإثبات العماني تشرح هذا الشرط إذ جاء فيها أن الموظفين والمكلفين بخدمة عامة لا يشهدون حتى بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم في أثناء القيام به من:
- معلومات ذات طابع سري لم ينشر بالطريق القانوني.
- ولم تأذن السلطة المختصة بإذاعتها.
وغيره في هذه المادة واضح وجلي.
- أهلية الشاهد:
لقد أخذ المشرع العماني في هذا الموضوع برأي جمهور العلماء والفقهاء بأن الشهادة تقبل بشرط البلوغ ولا تقبل من صبي ولو كان مميزا. وقد ذكر لمشرع ذلك في المادة 39 من قانون الإثبات العماني على أنه لا تقبل الشهادة ممن لم يبلغ سن الخامسة عشر ولكن تسمع ممن لم يبلغ تلك السن على سبيل الاستئناس.
حكم الشهادة:
الشاهدة دليل وحجة ملزمة على القاضي فيجب عليه الحكم بمقتضاها متى ما وافقت تلك الشهادة الشروط السابقة، فلا يمكن للقاضي أن يعدل عن تلك الشهادة أو يتجاهلها، والشهادة لا تنشئ الحق إنما تظهره، لذلك إذا قام الشاهد بإدلاء شهادته وفقا للإجراء المتبع ومتوافقة مع الشروط المذكورة؛ فإن الحق قد ظهر بواسطة تلك الشهادة، فليس على القاضي إلا أن يحكم بمقتضاها.
- الحالات التي لا يجوز فيها الإثبات بالشهادة:
- فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي.
- إذا كان المطلوب هو الباقي أو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة.
- إذا طالب أحد الخصوم في الدعوى بما تزيد قيمته على ألف ريال ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة.